يبدو أن عادة الغرب في التلويث والاستنزاف والدمار تعدّت الغابات والأنهار وأعماق البحار؛ لتصل في النهاية إلى الفضاء الخارجي الذي يحيط بكوكب الأرض، ففي السماء الزرقاء _ التي تبدو لنا صافية _ تسبح آلاف الأطنان من شظايا عمليات إطلاق الأقمار الصناعية والرحلات الفضائية المتكررة، التي يرى العديد من العلماء أنها إذا أُهملت فقد تتحول إلى أزمة في المستقبل تشبه أزمة الأوزون، والانبعاث الحراري الذي تعاني منه الأرض حالياً. ولعله ليس جديداً أن نسمع مصطلح "نفايات فضائية" ولكن الأمر بات واقعاً موجوداً، بل وتعاني من تلافي حوادثه كبرى شركات ومؤسسات غزو الفضاء العالمية، لدرجة أن بعض العلماء اقترحوا تأسيس "بلدية" فضائية لـ "كنس" الفضاء وتنظيفه من تلك النفايات الضارة. ونفايات الفضاء أو الحطام السابع في الفضاء، هي كل النفايات التي صنعها الإنسان وتدور حول الأرض، وتشمل الأجزاء الصغيرة المنقشعة عن السفن الفضائية، والشهب الضوئية المنطلقة منها، والخلايا الشمسية، والأقمار الاصطناعية المهجورة، ورقائق الدهن، والمركبات الصغيرة للمفاعلات النووية، والأجسام التي فرغت من استخدامها المحطات الفضائية، وجزيئات الوقود الصلب. وتدور حول الأرض في الوقت الحاضر مئات الآلاف من النفايات الفضائية، و12 ألف نفاية منها لا يتجاوز حجمها كرة المضرب، وتبلغ سرعة دورانها حول كوكب الأرض 35 ألف كم في الساعة، على ارتفاع يتراوح بين المئات وآلاف الكيلومترات، ويجعل معدل السرعة هذا أي اصطدام مع جسم من هذه الأجسام، "عملية لا تُحمد عقباها". وتُقسَّم هذه الأجسام (النفايات) بعد كل عملية اصطدام أو انفجار إلى قطع أصغر، مما يزيد في عددها، كما يفوق عدد معدل تكوّنها، معدل إزالتها، وهو ما أدّى إلى زيادة واضحة لحجم تلك النفايات في المدار الأرضي السفلي، خاصة بمعدل يقترب من 5% في السنة، ويعود تاريخ أوّل اصطدام بقمر اصطناعي إلى عام 1996م، عندما ضرب جزء من "منقاد" بعنف سطح القمر الاصطناعي الفرنسي "سيريز". وفي الفترة الفاصلة بين عام 1957م _ تاريخ إرسال القمر الاصطناعي السوفييتي "سبوتنيك" _ وعام 2008م، تمّ إرسال أكثر من 6000 قمر اصطناعي إلى الفضاء، أقل من 800 قمر منها لا يزال في الاستعمال.. والعدد يزداد بمعدل يتراوح بين 200 و250 قمراً كل عام. - خطر مدمر: ويذكر العلماء أن إحدى النفايات الفضائية _ وإن كان حجمها صغيراً؛ كمسمار مثلاً لا يتجاوز قطره سنتيمتراً واحداً _ بإمكانه أن يكون خطراً مدمراً لقمر اصطناعي أو رجل فضاء، ذلك لأن هذا الجسيم الصغير يأخذ مداراً خاصاً به حول الأرض، ويسير بسرعة فائقة قد تفجر قمراً صناعياً، كما يمكن لنفاية فضائية قطرها 10 سم أن تحول قمراً صناعياً إلى أشلاء وشظايا متناثرة تزيد من مشكلة النفايات ذاتها، حيث إن منها ما يستمر بدورانه حول الأرض ويسبح في الفضاء بسرعة 70 ألف كم في الساعة، وهذه السرعة الهائلة تمنح مسماراً فضائياً صغيراً قوة تفجيرية تعادل عدة قنابل يدوية عند اصطدامه بأجسام أخرى، ومنها ما يسقط متناثراً على الأرض بسرعة رهيبة كالرصاصة، تحركه الجاذبية الأرضية وسرعة الدوران في مدار القمر الصناعي. ونتيجة لخطورة النفايات الفضائية، تزايدت تحذيرات العلماء في الفترة الأخيرة، حيث توقع "هاينر كلنكراد" من "مركز الأبحاث الفضائية" الألماني أن يفقد العالم قمراً صناعياً كل 10 سنوات بسبب الارتطام بنفايات فضائية كبيرة، آخذاً بعين الاعتبار ازدحام الفضاء القريب من الكرة الأرضية بعدد هائل من بقايا الصواريخ وقمامة مركبات الفضاء. واستشهد "كلنكراد" في المؤتمر الأوروبي الرابع حول النفايات الفضائية _ الذي انعقد بمدينة "درامشتادت" الألمانية _ بحادث ارتطام فضائي تم رصده من المحطات الأرضية عام 1996م بين بقايا صاروخ "أريانا- 1" الأوروبي _ الذي أُطلق إلى الفضاء عام 1986م _ بالقمر الصناعي الفرنسي. - خطة عمل: وحذر "كلنكراد" _ الذي يعمل أيضاً في "المركز الأوروبي للتحكم بالأقمار الصناعية" _ من عواقب زيادة عدد النفايات الدائرة في مدارات حول الأرض، مشيراً إلى أن مركز الفضاء الروسي أحصى حوالي 20 حادث تصادم فضائي بين بقايا الصواريخ والأقمار الصناعية، وبين بقايا الصواريخ نفسها، منذ بدء عصر الفضاء عام 1957م. وحسب معطيات "كلنكراد" فإن الأجزاء الصغيرة التي تسبح في الفضاء تطير بسرعة 70 ألف كم في الساعة حول الأرض، وعمد علماء الفضاء الأوروبيون إلى أرشفة معظم هذه المواد من ناحية الحجم، والسرعة، وارتفاع المدار الذي يسير فيه، بغية مراقبتها وضمان عدم ارتطام الأقمار الصناعية بها. ويعتمد مصير الأجزاء الصغيرة على ارتفاع المسار الذي تطير فيه، فهناك أجزاء صغيرة تشتعل في الفضاء تنتهي، في حين تبقى أجسام أخرى، وبسبب ارتفاع مساراتها، وتحترق مدى الحياة في الجو، ووضع العلماء في مؤتمر "درامشتادت" مسودة خطة عمل لتقليل النفايات الفضائية الخطرة في الفضاء المحيط بالأرض، ومن بين هذه الإجراءات: ضمان احتراق مخازن وقود الصواريخ تماماً قبل التخلص منها في الفضاء، إفراغ البطاريات قبل التخلص منها، وحرق غازات الوقود بدلاً من إطلاقها. ويقترح العلماء تخصيص مدار معين بمثابة "مقبرة فضائية" للنفايات، وتجميع النفايات القديمة فيه أيضاً.. ويعترف "كلنكراد" بأن هذه المهمة عويصة، وأعقد بكثير من عملية إسقاط القمر الصناعي الأمريكي العاطل بالصواريخ يوم 21 فبراير 2008م. - مخلفات الصواريخ: من ناحيته، قدر الأمريكي "نيكولاس جونسون" _ ممثل وكالة الفضاء الأمريكية في "إيسوك" _ عدد النفايات الفضائية التي يتراوح قطرها بين (5-10) سنتيمترات بحوالي 14 ألف قطعة، وهي أجسام تدور في مدارات قريبة من الأرض، تعرض الأقمار الصناعية للخطر، ومعظمها من مخلفات الصواريخ التي حملت هذه الأقمار، إضافة إلى عدد كبير من الأحذية والخوذات والقفازات التي يتخلص منها رواد الفضاء. أما عدد النفايات التي يزيد قطرها على سنتيمتر واحد فيبلغ حوالي 50 ألف قطعة، يُضاف إليها عدد لا يُحصى من الجزيئات (البارتكلز) التي تلوث الفضاء، واستشهد "جونسون" بدارسة أمريكية تكشف أن عدد النفايات في الفضاء قد تضاعف منذ عام 1990م. ويبدو أن أخطر النفايات الفضائية القريبة من الأرض هي أجزاء الصواريخ المليئة بالوقود؛ لأنها تنفجر عند اصطدامها بالنفايات الأخرى وتتسبب في تحويل النفايات إلى مئات القطع الأصغر.. وقد سقط أحد خزانات الوقود يوم 22 يناير 1997م في مدينة "جورج تاون" الأمريكية (ولاية تكساس) على بعد 45م من مسكن إحدى العائلات، وكان جزءاً من صاروخ من طراز "دلتا" يحتوي على 250 كجم من الوقود، وظل يدور في الفضاء طوال 9 أشهر، بعد إطلاقه يوم 24 أبريل 1996م. - أبحاث فضائية: ورغم أن الإنسان لم يتضرر حتى الآن من النفايات الفضائية المحلقة، إلا أن أبحاثاً من وكالات فضائية تؤكد أن ما يزيد على 9300 جسم يدور حول الأرض في مداراتها، اتضح أن 6% منها فقط مركبات وأقمار، صناعية تعمل، وهذا يعني أن ملايين الأجسام الغريبة على اختلاف أحجامها تدور في مدارات حول الأرض، إذ إن مخلفات الأقمار الصناعية ليست بمجملها تحترق في الفضاء بل منها ما يمكنه الدوران في مدارات لسنوات عديدة قبل أن يحترق أو يسقط على الأرض. وأشارت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إلى زيادة هذه المخلفات الفضائية بازدياد المركبات والأقمار والصواريخ الفضائية مما يزيد معدل النفايات الفضائية إلى 5% سنوياً وهو معدل مخيف، إذ إنه في الأربعين عاماً القادمة سيكون هناك أكثر من 300 مليون نفاية فضائية يبدأ قطرها من سنتيمتر واحد، وهذا يعني أن مدار الأرض سيزداد خطورةً في المستقبل، بل وقد يؤدي ذلك إلى عرقلة سير الملاحة الفضائية في المستقبل القريب. - البحث عن حلول: وبعد أن أصبحت مشكلة النفايات الفضائية جدية ومعيقة للنشاطات الفضائية؛ طالبت روسيا بتنظيم مؤتمر دولي بخصوص النفايات الفضائية يشارك فيه الأعضاء الجدد في النادي الفضائي؛ كالصين والبرازيل واليابان والاتحاد الأوروبي.. أما مؤسسة "ناسا" الأمريكية فتدرس مشروعاً يُدعى "أوريون" يهدف إلى تدمير النفايات الفضائية بواسطة مدافع ليزر عملاقة تُطلق من صحراء "نيفادا"، وتقوم الفكرة على رصد القطع المعدنية الكبيرة ثم قذفها بإشعاع ليزر قوى لتفتيتها إلى أجزاء أصغر، أو حرف مسارها كي تدخل جو الأرض فتحترق وتذوب بفعل الاحتكاك السريع بالهواء. وكانت وكالة الفضاء الدولية قد شكلت لجنة تنسيق دولية للإشراف على عمليات وقف تلويث الفضاء بالمزيد من النفايات، وتنص إحدى فقرات الاتفاقية على أن يكون مدار القمر الصناعي العامل على بعد 36 كم عن الأرض، وأن يتم إبعاد الأقمار "الخردة" إلى مدارات ترتفع عن هذه المدارات بنحو 300 كم على الأقل، كما تم الاتفاق على إخماد الأقمار الصناعية المنخفضة أو إسقاطها على الأرض بعد مرور 25 سنة. ومن بين نقاط الاتفاق أيضاً، العمل على تطوير "تيليسكوبات" كبيرة لرصد حركة النفايات وأجزاء الصواريخ وإطلاق الإنذارات المبكرة من احتمال حصول صدامات.. فهل يستطيع الغرب إصلاح ما أفسده؟! |
نفايات الغرب تسبح في الفضاء!
المدير- Admin
- تاريخ التسجيل : 21/09/2009
- مساهمة رقم 1